حجم الخط

الطرف الرابع

2/20/2012 8:38 pm

كتب:

يقال إن المجلس العسكرى كان وراء تصعيد أحداث مجلس الوزراء التى بدأت بفض الاعتصام بالقوة.. من أجل التخلص من حكومة عصام شرف قريب الصلة بالإخوان، وبغض النظر عن التحليلات التى تذهب مذاهب شتي.. قال وزير الداخلية السابق منصور عيسوى وقتها وعلى الهواء مباشرة على قناة «دريم2» للإعلامى حافظ الميرازى إن قوات الأمن التابعة له ليست مسئولة عن تأمين مبنى وزارة الداخلية، وليست متواجدة فى محيط المبني، فسأله الميرازى «يعنى القوات المسلحة أو الشرطة العسكرية هى التى تشتبك الآن مع المتظاهرين» فقال نعم.. ولم ينف أحد ما قاله عيسوى ولا نفاه هو شخصيا.. وأدت تداعيات الحدث إلى تراجع قدمه المشير بنفسه فى خطاب «متلفز».. آثار المونتاج واضحة عليه - تذكرنا بخطابات مبارك - بأن أعلن عن تعجيل موعد انتخابات الرئاسة، مع التمسك بالاستمرار فى السلطة من خلال إشارة غريبة «الاستعداد الفورى لتسليم السلطة إذا أراد الشعب ذلك عبر استفتاء»..
من إذن وراء «فاجعة بورسعيد».. لا أظن أن التحليلات القائلة بأن المجلس العسكرى وراءها صحيحة.. فالمنطق السليم وافتراض عقلانية الفاعلين الأساسيين يدعوك دائماً إلى أن تبحث عن المستفيد والمتضرر من الحدث المدبر.
أول الخاسرين سياسياً من عملية القتل الوحشية فى استاد بورسعيد هو المجلس العسكري، لأنها تطيح بما تبقى له من رصيد لدى الشعب، وتجعل من مطلب «الثوار» بتسليم السلطة فوراً إلى مدنين مطلبا معقولاً ومقبولاً، ونخلق تعاطفا شعبيا مع الضحايا من الشباب الغض ومع رفاقهم الذين يطالبون بحق الشهداء غيلة وغدراً ووحشية.. ولا يمكن أن يكون رد الفعل المتوقع هو القبول بالأمر الواقع.. «استمرار العسكريين فى الحكم» ولا حتى الترحم على أيام مبارك، ورجله الأول حبيب العادلي، فالحس الشعبى المصرى أذكى من ذلك الافتراض.
الرأس الخبيث التى دبرت قتل 74 شاباً وإصابة المئات بهذه الطريقة البشعة تعلم جيداً أن الغضب سيتجه نحو «الداخلية» التى كان أفرادها فى المكان، ومسئوليتهم تأمين مباراة الأهلى والمصرى البورسعيدي، وأن الغضب يدفع مجلس الشعب إلى المطالبة بإقالة الوزير الحالي، ويجبر «السلطة الإنتقالية» - المجلس العسكرى - على إقالته، أما الهدف التالى المحتمل هو إضعاف وضعية المجلس العسكرى إلى أقصى مدى بحيث يضطر إلى تسليم السلطة بسرعة، وارتعاش يده وشل عقله إذا ما فكر فى ملاحقة «أذناب» النظام السابق، والقبول بأحكام «إدانة كاملة» لمبارك ونجليه وأعوانه.
هل هناك أطراف خارجية وراء تحويل الأمور فى مصر إلى فوضي.. ألاحتمال وارد بالفعل. لكن الخيط الرفيع فى «المؤامرة» هو من له القدرة على استخدام «بلطجية» و«مسجلين خطر» وهاربين من السجون، والإمساك بتلابيب هذا الطرف «الرابع» - بعد أن ضقنا ذرعاً بتعبد الطرف الثالث - ضرورة للمجلس العسكرى وأجهزة المخابرات التى تعاونه، ليس فقط من أجل أن يبرئ ساحته من الاتهام، أو أن يثبت أنه مازال بإمكانه إدارة ما تبقى من «مرحلته الانتقالية»، ولكن أيضاً من أجل أن يحافظ على البلد التى أقسم أن الحفاظ عليها واجبه المقدس، وتعهد أكثر من مرة أن «مصر لن تسقط»، إلا إذا كانت رؤوس الأشخاص أهم من الوطن.
الإمساك بالجناة المباشرين والمدبرين الفعليين ضرورة «وجود» لأعضاء المجلس العسكري، وقطع أى صلة تربط بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقائده الأعلى السابق ضرورة له ولمصر كلها.. فالمجلس بعد أن يسلم السلطة لمدنيين سيظل كياناً موجوداً، سينتقل بعض أعضائه إلى المعاش، لكنه سيظل موجوداً، سيتغير وزير الدفاع، لكن القوات المسلحة ستظل موجودة وسيظل واجبها الأول «حماية البلد».. سيأتى رئيس منتخب قابل للمحاسبة ثم يذهب إلى حال سبيله.. الحياة لن تتوقف عند لحظة معينة.. ولن يذهب الشعب المصرى إلى مكان آخر، ولن يحال إلى المعاش أو يوضع على «الكنبة» كما كان من قبل..

كاريكاتير

بحث