حجم الخط

678.. سينما الواقع المتردي

1/2/2011 12:59 pm

كتب:

رانيا يوسف
تأخرت قليلاً في مشاهدة فيلم "678" بعد طرحه في دور العرض بأسبوع بعدما تابعت الدعاية الإعلامية الكبيرة التي ترافق صناع الفيلم في البرامج التليفزيونية وعند عرضه في مهرجان دبي وحصول أبطاله على جوائز هامة في المهرجان،  ذهبت لمشاهدته في إحدي دور العرض والتي تعرض في نفس الوقت فيلم جديد من إنتاج السبكي هو فيلم بون سواريه لغادة عبدالرازق،  وبعد معاناة في الحصول على تذكرة العرض بسبب الزحام الكبير على شباك التذاكر ظننت أن هؤلاء الشباب تأثروا أيضاً بالدعاية المكثفة لفيلم 678 وجاءوا لمشاهدته،  لكنهم خذلوا ظني وتوجهوا جميعاً لمشاهدة الفيلم الأخر الذي صاحبه أيضاً دعاية إعلامية وهجوم حاد قبل عرضه لأسباب عديدة استخلصها البعض من طريقة طرح الإعلان الخاص بالفيلم حد توصيفه بالفيلم البورنو رغم دفاع أبطاله عنه وخصوصاً منتجه الذي يعتبر من أهم تجار السينما في مصر الناجحين في اس تعودنا عليه.

النماذج وتختلف الحكايات وردود الأفعال حسب طاقة الشخصيات،  الزوجة فايزة "بشري" التي تصاب بعقدة جنسية من تعدد محاولات التحرش بها تجعلها هذه العقدة تنفر من زوجها مما يدفعه للبحث عن بديل يشبع رغباته الطبيعية فيلجا إلى متابعة الفيديو كليب ثم يلجأ إلى التحرش بامرأة داخل أتوبيس 678،  فتطعنه الشخصية الأخري "صبا" نيللي كريم وهي من طبقة اجتماعية مختلفة عن فايزة التي هي أم لطفلين،  أما صبا التي نسج لها المخرج خطأ درامياً للتحرش يتناسب مع بيئتها الراقية نجدها هي الأخري يتحرش بها مجموعة من الشباب بعدما يخطفونها من زوجها وسط زحام مشجعي كرة القدم،  أما الشخصية الثالثة "نيللي" ناهد السباعي تصر على ملاحقة احد السائقين وضربه ومقاضاته في أول قضية تحرش ترفع في مصر.

الفيلم عرض شرائح مختلفة من نساء مصر يتعرضن لهذا الفعل بطرق عديدة وأعمار مختلفة حتى الأطفال نراهم يركضون خلف النساء لضربهن أو لمعاكستهن،  ثم تجتمع صبا وفايزة ونيللي على هدف واحد هو الدفاع عن النفس بالنفس باستخدام السلاح الأبيض وذلك بإصابة أي شاب ي الضحية عندما يحولها إلى جانٍ يترصد ويدبر لاصطياد ضحيته،  نسف المخرج محمد دياب وهو أيضا كاتب السيناريو مشاعر الجمهور في التعاطف مع فكرة الدفاع الشرعي عن النفس بعدما حولها إلى فكرة الثأر والانتقام المنظم الذي يدفع النساء لملاحقة المتحرشين في تجمع لمباراة كرة القدم حيث الزحام،  ويكتشف ضابط الشرطة بطريقة طريفة علاقة النساء الثلاث ببعض الحوادث التي طعن فيها المتحرشين ويتتبع أثرهن حتى يقبض عليهن ثم يتركهن يرحلن بعدما يصبهن بعدوي الخوف المتوارث من هيمنة الرجل الذكورية على المجتمع الذي ينحاز لها ضابط الشرطة وينفعل لأجلها حد الدفاع عنها ضد المجني عليهن.

لم يكتف السيناريو بطرح مشكلة التحرش الذي تتعرض له الفتيات في مصر وتعدد ردود أفعالهن بين الصمت والجهر به،  بل حاول أن يضيف مساحة أخري لخلفيات هذا الفعل ودوافعه وتبعاته وأشكاله المتعددة،  لكنه قدم أفعالاً مترددة لشخصيات مسطحة المعالم متضاربة التفكير ازدواجية الانفعالات،  فشخصية صبا التي تعطي محاضرات للفتيات في الدفاع عن أنفسهن تحاول هي نفسها الاختباء والهروب من مواجهة المجتمع بما تعرضت له،  أما فايزة وهي الشخصية الأكثر جبناً بينهن يكمن داخلها غضب كبير تحول إلى عقدة جنسية لكن ما يكبح هذا الغضب هو الخوف الوراثي التي تحمله داخلها عن مفهوم الذكورة المسيطر وضعف المرأة للمطالبة بحقها،  الذي يدفعها إلى الصمت وكتمان ما تتعرض له،  حتى عندما يحفزها تحريض صبا لها باستخدام أي وسيلة حتى وإن كانت غير مشروعة للدفاع عن نفسها،  لم تتخل عن هذا الخوف ولا عن هذا الموروث الجا تنفي الربط بين أسلوب المظهر الخارجي وبين نقاء الأخلاق.

الفيلم موضوعاً وأداء ينتمي لسينما المرأة،  إضافة لتهميش السيناريو لشخصيات الرجال الهزلية المترددة والنمطية لفكر الرجل الشرقي غير المتحضر،  الذي حاول السيناريو تقسيمه إلى 4 أنماط كانت متشابهة السلوك إلى حد التطابق دون وجود تنوع للأفكار والثقافات،  شخصية الزوج المقهور المظلوم عاطفيا أعطاه السيناريو مبررا منطقياً للبحث عن شهواته خارج بيته بعد رفض زوجته المتكرر له،  أما شخصية خطيب نيللي الذي يشعرنا في بداية الفيلم بالأمل والتوازن النفسي في معادلة شخصية زوج صبا الذي ينسحب من حياتها بعد تعرضها للتحرش،  لكن شخصية خ وراء ج نفسي أو درامي،  فالمخرج كما سطح من سيناريو الفيلم قام أيضا بتسطيح خلفيات الشخصيات الذكورية المساندة لشخصيات النساء،  وحصر دورها في توضيح بعض الأسباب التي تدفعهم لممارسة هذا السلوك بالخطاب المباشر والحجج المتعارف عليها والتي أصبحت تردد في كل اتجاه،  الفقر والبط التي لم تطرح بهذا التوسع من قبل في فيلم سينمائي طويل،  والنقطة الثانية هي إطلالة بشري التي أشاهدها لأول مرة تقوم بأداء دورها بمستوي فني رائع على شاشة السينما،  واحتفاظها بأدائها وانفعالاتها التي انحصرت بين مشاعر الخوف والهروب لا تستحق عليه فقط أفضل ممثلة في مهرجان دبي ولكنها تستحق عليه جائزة أحسن ممثلة بين ممثلات جيلها جميعهن.

كاريكاتير

بحث