فص ملح |
|
جمال فهمي |
(1) كثيرون يزعمون هذه الأيام أن إخوانا الصيع الغلابة الذين نراهم حالياً يتسكعون ويهيمون على وجوههم المنقرشة بآثار ضربات «السنج» والمطاوي في الساحات والطرقات العامة ويجعرون ويهتفون مطالبين بعودة الرئيس «السارق» من السجن إلى الحكم من جديد، إنما هم مجرد قطعان بائسة مأجورة تثير الأسي والأسف أكثر مما تثير القرف، إذ دفع أغلبهم ثمن حكم حسني مبارك مرتين، مرة لما هبطوا إلى مستنقع
(1) إذا كان لابد ولا مفر من الاحتفاظ بالأستاذ حسني مبارك وأسرته رغم كل الجرائم والفظائع التي ارتكبوها بحق الشعب المصري، فلماذا لا نستخدمهم في الترويج السياحي؟ وما المانع من إصدار مرسوم تشريعي عاجل يمنح مقر إقامتهم الفخم في شرم الشيخ وضع «المحمية الطبيعية» للفساد والديكتاتورية؟ وبما يسمح بالتعامل مع هذا المقر كمزار سياحي يرتاده السواح المتشوقون لرؤية هذا النوع من الكائنات المتوحشة
في آخر مرة تمتعت فيها بالإقامة المجانية في سجون عصابة الأستاذ حسني مبارك حاورني عنوة ضابط من قطعان مباحث أمن الدولة (التي ذهبت في ستين داهية قبل أيام)، وفي سياق كلامه المنقوع في اللزوجة وجدته يسألني فجأة متوسلاً بنوع من التذاكي الغبي: ألست ناصرياً ويسارياً؟ فقلت نعم، أنا كذلك فعلاً ما لم يكن لجنابك رأي آخر. لم يفهم الشطر الثاني من إجابتي فاضطررت لتكرار الشطر الأول فقط، غير أنه عاد وسألني بينما شبح
أبدأ بالجد، وأتساءل غاضباً حزيناً.. لمصلحة من محاولة تخرىب وتجريح علاقة الاحترام والثقة التي تجمع المصريين بجيشهم؟! بوضوح أكثر أسأل: ما صحة الروايات المتواترة والشائعة ـ حالياً ـ عن إهانات غير مبررة وعمليات تعذيب وحشي تعرض لها عشرات الشباب الذين اعتقلتهم الشرطة العسكرية يوم الأربعاء الماضي من ميدان التحرير؟! لقد سمعت بأذني هذه الحكايات من بعض ضحاياها
ما ستقرؤه حالاً سطور معادة، بل هي آخر سطور كتبها العبد لله في هذه الزاوية (نشرت في23 يناير الماضي) قبل يومين اثنين من انطلاق شرارة أعظم ثورات تاريخنا المعاصر والحديث، وربما أنبل وأجمل ثورة عرفها تاريخ الإنسانية طرا، تلك التي ما كادت تعلن انتصارها المدوي بسقوط مبارك وعائلته وعصابته من فوق صدر الوطن حتى لحقت بها ثورة أهلنا البواسل في ليبيا، ما جعل أغلب الأسماء والأشياء المذكورة في هذه السطور القديمة
أنا شخصياً متأكد أنها مجرد صدفة سعيدة أن الأستاذ جمال مبارك والأخ أحمد «حديد» عز وباقي نجوم الحكم العائلي البهيج بتوعنا لم يعد لهم حسًَا ولا خبر هذه الأيام لأسباب لا علاقة لها بالثورة التونسية، وليس المقصود من رفع أخبار هؤلاء من الصحف ووسائل الإعلام عدم تذكير الناس بحقيقة تشابه أعراض الحالة المصرية بل تطابقها مع ملامح حالة تونس التي انتهت بإسقاط نظام الطاغية اللص زين العابدين بن على وهروب هذا الأخير إلى مقلب زبالة الديكتاتورية في المملكة السعودية
كنت أكابد الاحتشاد لكتابة هذه السطور بينما الأخبار والأنباء تتدفق وتتري تطرب القلب الحزين وتبدد كآبة النفس المزمنة. وأخيراً أتاني النبأ الأعظم.. انتصر أهلنا في تونس وحققوا بصمودهم الباسل وشلال دم الشهداء الأبرار أجمل وأنبل انجازات العرب منذ عقود، بعدما تمردوا وانتفضوا على القعود العاجز فانتزعوا بأياديهم العارية شمس مستقبلهم من براثن الظلام وأجبروا الطاغية اللص «زين العابدين»
قبل عام واحد بالتمام والكمال كتب العبد لله السطور التالية: منذ سنوات بعيدة لاحظت أن الصمت هو غالبا إجابتي المفضلة عن سؤال: إلى أين مصر ذاهبة إذا ما بقي واستمر نظام الحكم الحالي الذي طال عمره (هو الأطول منذ حكم محمد علي) أكثر كثيراً مما ينبغي أو نحتمل، واستفحل فساده وتفاقمت كوارثه وارتكاباته حتىشاعت مظاهر البؤس واليأس وعم الخراب أرجاء الوطن.. في الاقتصاد والاجتماع، كما في عقول البشر وأرواحهم وأخلاقهم وضمائرهم؟!.